«نحن بحاجة لإجابات. اسم أخي ليس بين الأحياء ولا بين الموتى. نريد حقنا في معرفة أماكن المفقودين».
ياسمين المشعان ,شقيقة بشار المشعان المختفي منذ أيار ٢٠١٤ في دير الزور.
خلال الأشهر الماضية, قاتلت قوات سوريا الديموقراطية (قسد) في شرق سوريا بدعم من الولايات المتحدة لاستعادة ما تبقى من الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في منطقة باغوز بمحافظة دير الزور. في نهاية شهر أذار ٢٠١٩, أعلنت قوات سوريا الديمقراطية استعادة بلدة الباغوز، آخر جيب كان يسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية شرقي سوريا. وبينما تركز وسائل الإعلام الدولية على الهجوم والانتصارات العسكرية ومصير المجندين الأجانب في داعش, ما زال للسوريين الذين عاشوا تحت حكم داعش حاجة أكثر إلحاحاً وهي معرفة أماكن تواجد آلاف الأشخاص الذين غيبوا من قبل التنظيم خلال فترة حكمهم للمنطقة.
مع استعادة المزيد من الأراضي من سيطرة التنظيم، لم تعد عائلات المغيبين من قبل التنظيم خائفة من الانتقام وباتوا قادرين على التحدث علناً عن أحبائهم المفقودين. تحدثت ’حملة من أجل سوريا‘ إلى عائلات لمختطفين من قبل داعش ومنظمات حقوق الإنسان والنشطاء داخل سوريا وخارجها. وقد تمثّلت رسالتهم الواضحة والملحّة في القول إن التحالف الدولي لهزيمة داعش بقيادة الولايات المتحدة وشركائهم الميدانيين في قسد لم يفوا بالتزاماتهم بالعثور على المغيّبين.
وفي أعقاب تراجع داعش, تم اكتشاف العديد من المقابر الجماعية حيث تقوم الفرق المحلية بإخراج رفات المقابر، لكن الدعم والموارد المقدمة لها على جهودها ضئيلة بشكل يرثى له. إن التعامل مع تلك المواقع لا يجري وفق الممارسات الدولية اللازمة، وهو ما يضعف فرصة الأهالي في التعرف على أحبّائهم. تعتقد المصادر على الأرض أيضاً أن قسد، التي تتحكم في الكثير من المناطق التي كانت سابقاً تحت سيطرة داعش، تملك نفاذاً إلى معلومات قد تساعد هذه العائلات على معرفة مصير ما يصل إلى ٨ آلاف مفقود. وقد علمت ’حملة من أجل سوريا‘ من خلال من أجرت مقابلات معهم أن قسد تُبدي باستمرار قلة تعاون مع عائلات المغيّبين وتسيء التعامل مع أدلة هامة.
وفي حين قدّم المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة بعض التمويل لتحقيق الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها قسد، إلا أن محنة المغيّبين لم تكن بين الأولويات. لا يمكن إحراز أي تقدم نحو مستقبل أكثر سلاماً في سوريا إلى أن تحصل عائلات المغيّبين على إجابات، وقّعوا على العريضة التي تطالب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وقسد بدعم أهالي المختطفين من قبل داعش في بحثها عن أحبّائها.
« التحالف الدولي أجري مفاوضات في الشهر الماضي مع داعش في باغوز. المحادثات دارت حول محاولة التخلص من تواجد داعش في المنطقة ولم تكن هناك أولوية أو حتى ذكر للمغيبين».
أحمد النوري، مدير المشاريع في منظمة المجتمع المدني السورية كش ملك
بين 2014 وحتى 2017، كان التحالف الدولي لهزيمة داعش ينفق ما معدله 13.6 مليون دولار يومياً في حملته العسكرية. كانت الغارات الجوية ضد داعش واسعة لدرجة تدمير مناطق شاسعة من المدن والبلدات بالكامل، وعلى الأخص مدينة الرقة نفسها. كذلك كانت تكلفة الحملة من أرواح المدنيين مروّعة؛ منظمة الحروب الجوية، وهي مشروع يتتبّع ويؤرشف العمليات العسكرية الدولية، تقدّر أن التحالف بقيادة الولايات المتحدة قتل ما بين 7,559 إلى 12,156 مدنياً بين العراق وسوريا منذ بدء عملياته في آب 2014، وأن ما بين 5,053 و8,291 من هذه الوفيات حدثت في سوريا وحدها.
وعلى عكس المبلغ الضخم الذي تم إنفاقه على الهجوم العسكري، كانت الموارد المخصصة لدعم المجتمعات المتضررة محدودة نسبياً. فقد ذكرت الولايات المتحدة أنها أنفقت حتى الآن 90 مليون دولار في شمال شرق سوريا على مبادرات مكافحة داعش لتحقيق الاستقرار، أي ما يعادل أسبوعاً واحداً من العمل العسكري. وعلى الرغم من اعتراف الولايات المتحدة بحاجة المنطقة إلى «مساعدة إنسانية واسعة النطاق بعد هزيمة داعش»، بما في ذلك «الوصول إلى سبل حل النزاعات»، إلا أنها لم تقم هي ولا شركاؤها الميدانيين في قسد بوضع قضية المغيّبين من قبل داعش على قائمة أولوياتهم.
إن حجم قضية التغييب هائل. وعلى الرغم من استحالة تحديد عدد المفقودين بدقة من دون إجراء تحقيق كامل وتفصيلي، إلا أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان
قامت بالفعل بتوثيق 8,349 حالة اختفاء. وتقدر المجموعة أن العدد الحقيقي قد يصل إلى 20,000 شخص.
إن كل يوم يمر يعني مزيداً من الأسى بالنسبة للأهالي ومخاطرة بضياع أو تدمير المزيد من الأدلة الهامة، مما يقضي على فرص الأهالي في معرفة مصير أحبّائهم إلى الأبد.
لا يزال لدى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وقسد فرصة اتخاذ خطوات حيوية لدعم عائلات المختفين والمغيّبين في بحثها عن أحبّائها. إن ’حملة من أجل سوريا‘ تدعو الطرفين إلى:
1) إنشاء قناة تنسيق مع العائلات وإبلاغها بالمعلومات ذات الصلة المحصّلة من مقاتلي داعش المحتجزين
تعد المقابلات مع مقاتلي ومسؤولي داعش المحتجزين وسيلة هامة لتحصيل معلومات حول المغيّبين. فمن خلال إعطاء أولوية للأسئلة المتعلقة بأماكن ومصائر المفقودين، ومشاركة ما يُتوصّل إليه مع عائلات هؤلاء، يمكن للتحالف وقسد إنهاء حالة اللايقين التي يعاني منها الأهالي وتأسيس حالة من الثقة ضمن المجتمع. في الوقت الحالي، العائلات والنشطاء المحليون يقولون إنهم على دراية بحصول مقابلات، لكنهم ما يزالون يفتقرون إلى المعلومات المتعلقة بما حدث للمفقودين. وهم يخشون من احتمال عدم توجيه أسئلة للمقاتلين حول ما حدث للأسرى الذين كان يتم القبض عليهم، فيما لا يؤدي غياب قنوات تبادل المعلومات حول المغيّبين سوى إلى تفاقم مخاوفهم.
2) نشر خبراء طب شرعي وفرق تحقيق دولية على وجه السرعة لدعم استخراج الرفات من القبور الجماعية وتجنب احتمال تدمير الأدلة
إن للمنظمات السورية والدولية على حدٍّ سواء دوراً حيوياً في جمع وحفظ الأدلة المستخرجة من المقابر الجماعية وغيرها من مراكز احتجاز داعش. بإمكان منظمات حقوق الإنسان السورية التي تتمتع بمعرفة السياق وبسجل مشهود في رصد انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا أن تلعب دوراً حاسماً في هذه التحقيقات. لكن العمل على استخراج الرفات من القبور الجماعية وحفظ الأدلة لتحديد الضحايا ودعم عملية المحاسبة يتطلب أيضاً نشر محققين متخصصين وفقاً لإرشادات اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة. وفي ظل غياب هؤلاء المحققين، يقوم في الوقت الحالي غير المتخصصين باستخراج رفات الضحايا، الأمر الذي قد يتسبب في تدمير غير مقصود للأدلة. إن نشر خبراء الطب الشرعي ومنحهم وصولاً غير مقيد إلى المواقع ذات الصلة سيساعد في حفظ الأدلة الهامة قبل تدميرها، فيما يمكن استخدام هذه الأدلة لمساعدة أهالي المغيّبين في مساعيهم.
3) التعامل مع الأدلة على فظائع داعش بعناية والسماح لعائلات المغيّبين بالوصول إلى هذه الأدلة
إن الأدلة المستخرجة من سجون داعش السابقة، والتي قد تتراوح بين وثائق تركها التنظيم إلى أسماء السجناء المكتوبة على الجدران، قد تحتوي على القرائن اللازمة لجمع العائلات بمفقوديها أو لتزويدها بإجابات عن مصيرهم. إن حفظ هذه الأدلة يمثل أولوية قصوى، ومن المهم السماح للمحققين بالوصول الكامل إلى تلك المواقع التي استولت قوات قسد على بعضها.
يحتاج أهالي المغيّبين إلى الوصول إلى المعلومات المتعلقة بأحبّائهم، ويمكن لمحققي الطب الشرعي ذوي الخبرة الإفادة من الإرشادات الدولية لتطوير قنوات مناسبة للتواصل معهم. في الوقت الحاضر، يتسبب الافتقار إلى قنوات تواصل من هذا النوع بضائقة شديدة لهؤلاء الأهالي، والذين يتوجب الاعتراف بهم بوصفهم من ضحايا لداعش.
الأضرار والدمار في الرقة نتيجة الحملة العسكرية للتحالف الدولي. مصدر الصورة: منظمة العفو الدولية
«من الصعب تقدير العدد الإجمالي للأماكن التي حولها داعش لمعتقلات؛ الزنزانة التي احتُجزت فيها كانت مطبخاً لمنزل ريفي محاط بقضبان».
سياس*، أحد الناجين من معتقلات داعش
في عام 2014، أعلن تنظيم داعش مدينة الرقة عاصمة لخلافته المزعومة. وبحلول نهاية العام أصبحت المجموعة تسيطر على ثلث مساحة سوريا، وكذلك على أجزاء كبيرة من العراق، وعلى عدد سكان يبلغ حوالي 12 مليون نسمة. حكم تنظيم داعش هذه المساحة من الأرض بوحشية وقسوة، وأسَرَ واعتقل ما يصل إلى ٨ آلاف سوري تم نقلهم إلى سجونه ومعتقلاته. ووفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، والتي وثّقت آليات عمل هذه المعتقلات في تقرير لها من عام 2016 بعنوان القاع الأسود، «كان لدى داعش ما لا يقل عن 54 معتقلاً رسمياً بين الرقة ودير الزور وحلب». غالباً ما كانت هذه المعتقلات مستودعات أو حتى منازل تحولت إلى مراكز احتجاز.
مصدر الصورة: الشبكة السورية لحقوق الإنسان
كما شبّه الذين عاشوا تحت سيطرة داعش حياتهم بالحياة في السجن. فقد كانت «الحسبة»، شرطة داعش الدينية، تسيطر على كل شيء، وتروّع المدنيين، وتعاقب وتعتقل الناس لأسباب لا حصر لها – تدخين السجائر، الاستماع للموسيقى، تصفح الإنترنت، عدم الالتزام بقواعد اللباس الشرعي الصارمة. تقول إنصاف نصر من ’عائلات من أجل الحرية‘، وهي حملة منظمة تطالب بالحرية والعدالة للمعتقلين السوريين، إن داعش اعتقلت زوجها فؤاد «لتجرّؤه على أن يكون ناشطاً إعلامياً، وعلمانياً، وبسبب اسم ابنه غيفارا الذي يفترض أنه اسم ’كافر‘».
وعلى الرغم من اشتهار داعش باستعراضها العلني للعنف، إلا أن الكثير من العائلات التي جرى اعتقال أحبّائها لم تدرِ بما حدث لهم أو إلى أين تم اقتيادهم. وفي كثير من الأحيان لم تكن العائلات متأكدة من أماكن سجون داعش. يقول سياس*، أحد الناجين من معتقلات داعش: «من الصعب تقدير العدد الإجمالي للأماكن التي حولها داعش لمعتقلات؛ الزنزانة التي احتُجزت فيها كانت مطبخاً لمنزل ريفي محاط بقضبان».
أما بشار، شقيق ياسمين المشعان، فقد اعتُقل عام 2014 أثناء توجّهه للتبرّع بدمه في المستشفى. ما تزال ياسمين تجهل مكان شقيقها وسبب اختفائه: «نحن بحاجة لإجابات، قد يكون بالنسبة لي أسهل عليّ التفكير بأن أخي قد توفي بدل التعويل على آمال زائفة. اسم أخي ليس بين الأحياء ولا بين الموتى. نريد حقنا في المعرفة».
«نريد الحصول على إجابات، فقد تكون داعش تحتفظ بهم».
إنصاف نصر، إحدى أعضاء ’عائلات من أجل الحرية‘، وهي حركة تطالب بالحرية والعدالة للمعتقلين السوريين
ألقت قسد القبض على العديد من مقاتلي داعش، وذكرت أن حوالي 800 منهم من الأجانب. يقول نشطاء محليون إن هناك مقابلات تجري معهم، لكن ليس من الواضح إلى مدى تم استجواب المقاتلين المحتجزين؛ وقد تم إطلاق سراح عدد منهم بالفعل. حتى الآن لم تحصل عائلات المغيّبين على أية معلومات متعلقة بالاكتشافات المتّصلة بقضيتها إثر التحقيقات التي أجراها التحالف الدولي أو قسد.
ذكر أفراد العائلات الذين تحدثوا إلى ’حملة من أجل سوريا‘ أن بعض من عائلات المختفين ممن يقطنون في المنطقة قد ذهبوا مراراً وتكراراً إلى مسؤولي قسد لطلب معلومات عن أحبّائهم، لكنهم لم يتلقوا أي رد. يقول عامر، من حملة ’أين مختطفو داعش‘: «لا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ولا قسد ولا أية جهة أخرى ساعدتنا أو فعلت أي شيء من أجل الأشخاص الذين ما زالوا محتجزين لدى داعش. لا نعرف ما هي المعلومات التي يحتفظون بها بشأن المغيّبين لأنهم لم يخبرونا بأي شيء».
تقول إنصاف نصر، الذي اختطفت داعش زوجها من مستشفى ميداني في دير الزور كان متطوعاً بها عام 2014: «يجب أن تتضمن المقابلات تمرير قائمة بأسماء المفقودين لعناصر داعش الذين تم أسرهم مع طلب إجابات محددة منهم. نريد الحصول على إجابات، فقد تكون داعش تحتفظ بهم. منذ سنوات وأنا أحاول الحصول على أية معلومات حول مصير زوجي. لقد اختفى فجأة عام 2014 ومنذ ذلك الحين لم أسمع عن مصيره شيئاً. لا أحد يفكر في مغيّبي داعش، يبدون منسيّين. لكننا ما نزال هنا وما نزال بانتظار إجابات حول مصائرهم. يجب أن يكون إيجاد مغيّبي داعش أولوية بالنسبة للتحالف».
أعربت العائلات أيضاً عن قلقها من إطلاق قسد سراح مقاتلي داعش في وقت مبكر جداً ومن دون محاكمة، مما يحرم العائلات من معلومات ثمينة بالنسبة لهم . قال أحد السكان المحليين إنه سمع أن بعض مقاتلي داعش أطلقت قسد سراحهم بعد 10 أيام. وقال آخر إنه سمع عن «أمراء» أو مسؤولين كبار ضمن داعش جرى إطلاق سراحهم بعد عدة أسابيع من اعتقالهم. يقول ماهر، وهو ناشط يعيش في الرقة: «من المستحيل ألا يكون لدى مقاتلي داعش معلومات حول المغيّبين. إنّنا نحمّل الولايات المتحدة مسؤولية مباشرة عن تحصيل هذه الإجابات. أين أحبّاؤنا؟ أين السجون السرية؟».
كانت بعض العائلات تتمسك بأمل أن يكون أحبّاؤها على قيد الحياة حتى الآن، وأنهم ربما قد كانوا محتجزين لدى داعش في آخر معقل لهم في باغوز أو في الخنادق الموجوده تحت الباغوز . لكن بحسب أحمد النوري، مدير المشاريع في منظمة المجتمع المدني السورية كش ملك: «التحالف الدولي أجرى مفاوضات في الشهر الماضي مع داعش في باغوز. المحادثات دارت حول محاولة التخلص من تواجد داعش في المنطقة ولم تكن هناك أولوية أو حتى ذكر للمغيبين ».
«ليس هناك أي نوع من المنهجية أو المهنية في استخراج رفات المقابر الجماعية. لا توجد أية عناية بهذه القبور».
قتيبة المشعان، شقيق بشار المشعان، المغيّب منذ عام 2014 في دير الزور
في تشرين الأول 2017، استولت قوات قسد على مدينة الرقة، عاصمة خلافة داعش. وتم منذ ذلك الحين الضغط على مقاتلي داعش في أراضيهم التي زادت انكماشاً حتى انتهاء المفاوضات مع داعش في الباغوز في شهر آذار ٢٠١٩ . وقد تم بعد انسحاب المجموعة اكتشاف مقابر جماعية في المناطق التي كانت تحتلها. في شباط 2019، تم اكتشاف المقبرة الكبرى حتى الآن في إحدى ضواحي الرقة، والتي تحتوي على حوالي 3,500 جثة. يعتقد النشطاء أن من المرجح أن تضم المقابر الجماعية ضحايا لقصف التحالف ومقاتلين من داعش وكذلك أشخاصاً قامت داعش بتغييبهم أو إعدامهم. يدعى الفريق العامل على اكتشاف المقابر الجماعية بفريق الاستجابة الأولية، وهم جزء من لجنة إعادة الإعمار التابعة لمجلس الرقة المدني الذي تموّله الولايات المتحدة.
يمتلك المحققون العاملون على المقابر معرفة بالتضاريس المحلية، وهم يبدون تفانياً في العثور على تقديم الإجابات لمجتمعاتهم. إلا أن مهمتهم مهولة من حيث الحجم والتعقيد وهم بحاجة ماسّة إلى المزيد من الدعم. في تموز 2018، وجد تقرير لهيومن رايتس ووتش أن فريق الاستجابة الأولية وهم يستخرجون رفات إحدى المقابر الجماعية: «لم يلتقطوا صوراً تتفق مع معايير الطب الشرعي الدولية، وهي ممارسة مهمة في العمل على حفظ سجل أكثر موثوقية للقتلى. كان معظم أعضاء الفريق متطوعين ليس لديهم خبرة في الطب الشرعي. كان الطبيب الشرعي للفريق طبيباً عاماً قبل طرد داعش من المنطقة وليس لديه خبرة سابقة أو تدريب رسمي في تحليل الطب الشرعي».
يقول عامر مطر، من حملة ’أين مختطفو داعش‘: «يفتقر عمل فريق الاستجابة الأولية إلى الشفافية بالنسبة لنا كعائلات. جميع المعلومات التي كشفوها حتى الآن غير متاحة لنا ولا يمكننا الحصول عليها. والأدوات والمنهجية التي يستخدمونها للتوثيق غير واضحة، وأظن أنها لا ترقى إلى المعايير المهنية. الجثث المستخرجة من القبور يجري نقلها إلى أماكن أخرى، هذا غير مقبول. إن مثل هذا العمل ينطوي على مخاطر كبيرة لآمالنا ورغباتنا بمعرفة مصير أحبائنا»..
من جهتها تقول ياسمين المشعان: «إن نبش هذه المقابر الجماعية دون خبرة لازمة قد يدمّر الأدلة على ما حدث. نحن بحاجة إلى دعم دولي عاجل لتوثيق وجمع الأدلة المستخرجة من المقابر الجماعية في الرقة ودير الزور».
يقول قتيبة المشعان، شقيق ياسمين الذي حاول جاهدا البحث عن شقيقه بشار قبل أن يضطر إلى مغادرة دير الزور: «ليس هناك أي نوع من المنهجية أو المهنية في استخراج رفات المقابر الجماعية. لا توجد أية عناية بهذه القبور. تنتشر أخبار حول اكتشاف مقابر جماعية ولا تعرف أبداً ما الذي يحدث بعد ذلك ثم تختفي القصة».
كما أعرب أفراد آخرون من عائلات المغيّبين عن قلقهم من كيفية التعامل مع تلك المقابر. أحد هؤلاء، الذي يقيم في الرقة حالياً، جاوب متهكماً لدى سؤال ’حملة من أجل سوريا’ له عما إذا كان فريق المستجيبين الأوائل يحتفظ بعينات حمض نووي من المقابر الجماعية: «في بعض الحالات حتى ملابس الشخص لا يكتبونها».
أحد صحفيي وكالة فرانس برس شاهد فتح مقبرة جماعية مكتشفة في شباط الماضي في الرقة، وقد أخبره فريق الاستجابة الاولية أنهم استخرجوا منذ بدأوا العمل في كانون الثاني 2017 أكثر من 3,800 جثة. «من بين هؤلاء 560 [جثة] أمكن تحديدها وتم تسليمها لعائلاتهم لدفنها بشكل لائق». وفي حال كانت الأرقام الواردة في هذا التقرير دقيقة فهذا يعني أنه تم دفن ما لا يقل عن 3,200 جثة كضحايا مجهولي الهوية. وعائلات هؤلاء لن تحصل أبداً على إجابات.
قام خبراء الطب الشرعي في السنوات الأخيرة بتطوير إجراءات وبروتوكولات التحقيق العلمي للمقابر الجماعية. وقد قامت مجموعات مثل اللجنة الدولية لشؤون المفقودين بالتحقيق في المقابر الجماعية في عدة بلدان حول العالم. وقد تم وضع إرشادات جديدة لضمان أن الأدلة التي يتم الكشف عنها في مواقع التنقيب تصمد أمام التدقيق القانوني وكذلك تقدم الإجابات التي يحتاجها أهالي المغيّبين. في حالة المقابر الجماعية في سوريا، من المهم للغاية نشر خبراء ذوي خبرة ومعرفة بأحدث الإجراءات والبروتوكولات. وفي حال لم يحدث ذلك فهناك خطر جدّي لفقدان الأدلة.
نشرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ولجنة الصليب الأحمر الدولية إرشادات بشأن تحقيقات المقابر الجماعية. ينص الصليب الأحمر على أن «سلطات الدولة والجماعات المسلحة تتحمل المسؤولية الأساسية عن التعامل الصحيح مع رفات البشر والمعلومات حول القتلى». كما ينص على أنه «يجب الاعتراف بعائلات المفقودين بوصفهم ضحايا. ويجب دعم حقهم في المعلومات والمحاسبة والاعتراف».
«نحن في سباق مع الزمن لأن الأدلة يتم تدميرها باستمرار».
نشطاء الرقة المحليون من حملة ’أين مختطفو داعش‘
بعد هزيمة قوات داعش وطردها من الرقة وغيرها من المدن، وجد السكان المحليون سجون الجماعة ومعتقلاتها خالية. حتى سجنا الرقة الرئيسييّن الملعب البلدي وقصر المحافظ كانا خاليَين.
لا يبدو أن قسد كانت تحتفظ بسجلات لدى دخولها إلى المعتقلات. فوفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان وجد بعض النشطاء وثائق بشكل مستقل ونشروها على الإنترنت، ولكنها كانت مجزأة للغاية ولم يتم جمعها من منطقة واحدة. من المحتمل أن تكون داعش قد دمرت أية أدلة على ما حدث في سجونها، وخاصة أدلة الإعدام. من الممكن أيضاً أن تكون الأدلة قد تدمرت إثر قصف التحالف الذي كان تقوده الولايات المتحدة. في 15 آذار 2017، استهدفت قوات التحالف سجن البرج في مدينة الطبقة قرب الرقة، مما أسفر عن مقتل بعض الأشخاص في داخله.
قام أعضاء حملة ’أين مختطفو داعش‘ المتواجدون على الأرض في الرقة بزيارة السجون السابقة لالتقاط صور فوتوغرافية للطب الشرعي. «نحن في سباق مع الزمن لأن الأدلة يتم تدميرها باستمرار» بحسب تعبير أحد أعضاء الحملة المقيمين في الرقة، والذي ذكر أنه في إحدى المرات، بينما كان أعضاء الحملة يصورون زنزانة حبس انفرادي في أحد السجون، ظهر مقاتل من قسد وبدأ ينزع الحديد لاستخدامه الخاص. «المدنيون في الرقة يخشون من تدمير هذه السجون. ثمة المئات من أسماء السجناء على الجدران».
«لا أحد يفكر في مغيّبي داعش، يبدون منسيّين. لكننا ما نزال هنا وما نزال بانتظار إجابات حول مصائرهم».
إنصاف نصر، عائلات من أجل الحرية
مرت خمس سنوات منذ بدأت داعش تستولى على الأراضي في سوريا، مسبّبةً معاناة تفوق الوصف بالنسبة للمدنيين ومحدثةً صدمة في جميع أنحاء العالم.
تبحث عائلات ما يصل إلى ٨ آلاف سوري اختطفتهم داعش عن إجابات حول أحبّائهم المغيّبين.
ثمة أدلة هامة معرضة للفقدان للأبد، ومعها حق العائلات في المعرفة وفرصتها في الحصول على أجوبة تساعد في تخفيف ألمها.
كل ذلك بحاجة إلى تغيير الآن. في حال تحرّك المجتمع الدولي بسرعة فما تزال هناك فرصة لحفظ الأدلة ومساعدة الأهالي في إيجاد أحبّائهم أو على الأقل التعرّف على ما حدث لهم.
لقد مسّت أزمة الاختفاء القسري كل عائلة سورية تقريباً. ولا يمكن إحراز أي تقدم نحو سلام دائم في سوريا بدون تحقيق العدالة لتلك العائلات، وهذا يبدأ بحقها في معرفة مصائر أحبّائها. لنساعدهم في الحصول على إجابات.
قف إلى جانب عائلات المغيّبين من قبل داعش وطالب باتخاذ إجراءات عاجلة للتحقيق في مصائرهم
* تم تغيير أسماء بعض من تمت مقابلتهم عند الطلب.
المتحدثون الإعلاميون
لمزيد من المعلومات أو للاتصال بخبراء بشأن هذا الموضوع، يرجى إرسال رسالة إلكترونية إلى [email protected]
منظمات وحملات رئيسية
ثمة العديد من المنظمات السورية التي أطلقت حملات أو بحثت في قضايا الانتهاكات الحقوقية والاعتقالات التي ارتكبتها داعش وهي تشمل:
أين مختطفو داعش: حملة تضم نشطاء من الرقة – بعضهم في المنفى – قاموا بإطلاق مشروع على الإنترنت للبحث عن إجابات حول أماكن تواجد مختطفي داعش.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان: منظمة غير حكومية تأسست في حزيران 2011 وتقوم برصد وتوثيق الانتهاكات المرتكبة من قبل أيّ وكلّ طرف من أطراف النزاع السوري.
المركز السوري للإعلام وحرية التعبير: منظمة غير حكومية مستقلة غير ربحية تأسست عام 2004. يسعى المركز السوري للإعلام وحرية التعبير إلى بناء مجتمع يضمن حرية التعبير والاعتقاد وحقوق الإنسان والعدالة.
عائلات من أجل الحرية: حركة تقودها نساء سوريات تأسست عام 2017 للمطالبة بالحرية والعدالة لجميع المغيّبين في سوريا.
الرقة تُذبح بصمت: حملة أطلقها مجموعة من النشطاء اللاعنفيين لفضح الفظائع التي يرتكبها النظام السوري وداعش بحق السكان المدنيين في الرقة.
مصادر وقراءات إضافية رئيسية
الرقة: مدينة تدميرها ثم نسيانها (منظمة الحروب الجوية، بالإنكليزية)
إدارة الجثث بعد وقوع الكوارث: دليل ميداني موجه إلى المستجيب الأول (اللجنة الدولية للصليب الأحمر)