سراقب، مدينة صغيرة في ريف إدلب، ثار كل ما فيها على الظلم، حتى الجدران، إلى حين تحررها من النظام، وثم الدولة الإسلامية التي لم تتمكن من الاستمرار طويلاً فيها. كانت من أولى المدن التي انضمت إلى الثورة السورية، وكانت تتخلل مظاهراتها العديد من النشاطات الفنية والثقافية، كالعروض المسرحية، وتوزيع الصحف الثورية، والبخ على الجدران. عرفت المدينة بجدرانها التي أعطتها مكاناً خاصاً في قلوب السوريين. تتحدث هذه المقالة عن علاقة أبناء المدينة بجدرانهم.
بدأت المدينة حراكها السلمي بعد سجن أطفال درعا وتعذيبهم لبخهم جملاً معارضة للنظام على جدران مدرستهم.منذ ذلك الحين، أصبح البخ على الجدران من أبرز مظاهر الثورة في سوريا، ولكن في سراقب، قرروا أن يحولوا حملات البخ العشوائية إلى لوحات فنية، لتقف شاهدة على كل مراحل الثورة.
يقول رائد، الرجل الذي بدأ بمشروع تحويل الجدران إلى لوحات فنية “كنا نسهر ليال بطولها لإيجاد العبارات الملائمة ورسمها على الجدران، حتى تكون عبارات تعبر عن الجميع. تتحدث الكتابات والرسومات في سراقب عن الصمود، والحب، والحزن، والخوف التي نعيشها جميعاً. ونعمل أيضاً على رسم بعض الرسائل للثوار والجيش الحر لدعمهم أو تصحيح أخطائهم. هذه الجدران ليست ملكاً لمن رسم عليها، الجدران ملك للثورة، ملك لمن يستلهمون منها القوة، ومن يمشون بجانبها، ومن يدعوننا للرسم عليها. هذا السبب وراء أهمية هذه الجدران، أنها ليست ملكاً لأحد”
الجدار المفضل لدى رائد هو جدار لم يكتب عليه بنفسه، مكتوب عليه “ياسمين على ليل تموز”، وهو مقطع من قصيدة للشاعر محمود درويش تتحدث عن الحب والصمود. “قصتنا مع الثورة هي قصة عشق، ولذلك مازلنا نفوح برائحة الياسمين على الرغم من كل هذا الموت”
أما سومر،الذي يعمل بجد لإنجاح مجلة زيتون وزيتونة للأطفال، يقول: “بدأ رائد أولاً بالرسم للأطفال، كانت لوحته الأولى هي صورة سبونج بوب، الشخصية الكارتونية التي تحبها ابنته، ثم طلب مني أن أرسم للأطفال. رسمت للأطفال وغيرهم على الجدران، ولكن رسومات الأطفال أخذت صدى واسعاً بين الأولاد المحرومين من كافة أنواع الألعاب وسبل التسلية التي كنا نتمتع بها في طفولتنا. إن كنا خرجنا مطالبين بالحرية، فقد طالبنا بها لأجل أولادنا. إن كنا نريد الحرية، ونريد لأطفالنا حياة أفضل من تلك التي عشناها، علينا أن نسمح لأطفالنا بأن يشعروا بأنهم جزء من هذه الثورة، كي يتمكنوا من إيجاد صوتهم في المستقبل”
جدار سومر المفضل كتب عليه رائد عبارة “جناحاي أنت وحريتي” ويرتبط بذكرى خاصة لديه: “كانت الفتاة التي أحبها معتقلة عندما كُتبت الجملة، ويذكرني هذا الحائط بها كثيراً
منهل، الصحفي والناشط المدني في سراقب لديه قصة خاصة مع حائط كُتب عليه” شادي…وحدنا بقينا”. وهي عبارة كُتبت بعد إرداء صاروخ لأخيه قتيلاً. يقول منهل: “كان أخي عازف عود، لطالما تخيلته يموت بقبلة فراشة او ضمة من صديق.” ولكن على الأقل، يتمكن هذا الحائط من تعزيته، ويشعره وكأن أخوه موجود معه.
زينة، وهي فنانة تعمل مع مجلة زيتون وزيتونة للأطفال، تحب الحائط الذي كُتب عليه “بكرا أحلى”، ولا تتمكن من منع نفسها عن الابتسام كلما مرت بجانبه. تقول زينة “العمل مع الأطفال هو نافذة للمستقبل، نافذة تساعدك على الإدراك بأنه سيكون أفضل من اليوم. أحياناً ننسى هذا الأمر، ولذلك أرى أن وجود مثل هذه الكتابة على الحائط أمر إيجابي، فكلما شعرت باليأس أمر بجانبه، فأستعيد القليل من طاقتي”
أما رنا، وهي طالبة جامعية اضطرت إلى إيقاف دراستها بعد الثورة، فحائطها المفضل هو الذي كتب عليه “الثورة أنثى”، وتقول: “تفضل معظم النسوة العمل بالخفاء، خاصة في ظل الظروف المأساوية التي نعيشها اليوم. ولكن هذا لا يعني بأننا غير موجودات، ولا بأننا غير ثائرات”
عبد المؤمن يجد بأن العبارة المقتبسة عن الشهيد باسل شحادة، االناشط المدني الذي ترك منحته الدراسية في أمريكا للانضمام إلى الثورة،هي الأقرب إليه “كيف لي أن أترك الثورة وأهتم بمستقبلي، كيف لي أن أحيا بلا حرية”. يقول عبد”هذا ما جرى معي، كنت في سنتي الجامعية الأولى عندما تم اعتقالي بسبب نشاطي المدني، ولم يكن بإمكاني بعد خروجي من المعتقل إلا الوقوف في وجه الطغيان، مما منعني عن إتمام دراستي
أسعد، طفل في الثانية عشرة من العمر، يقول “أحب الحائط الذي كتبت عليه كلمة حرية، يجعلني أشعر بالحرية، وبأن سوريا ستجد حريتها في النهاية”
يجد أحمد، الطفل ذو التسعة أعوام، بأن الحائط الذي كتبت عليه عبارة “كن صديقي” هو حائطه المفضل. وكلما خرج من المنزل، يحرص على أن يمر طريقه من جانب هذا الحائط، ويقول “يجعلنا هذا الحائط سعداء، ونشعر بأن لدينا أصدقاء. بالإضافة إلى أن الحائط يحمل اسم سراقب التي أحبها”
اسماعيل، طفل في الثانية عشر من العمر يقول “أحب الحائط الذي رسم عليه سبونج بوب، وأصدقائي يحبونه أيضاً، ونضحك كلما رأيناه، لذلك نحب اللعب بقربه