في أوائل هذا الشهر وافقت الجامعة العربية على إعادة عضوية سوريا بعد أن كانت قد علّقت عضويتها في الجامعة لمدة تقارب ١٢ عاماً نتيجة لقمع النظام الوحشي للمظاهرات المطالبة بالديمقراطية. قامت المملكة العربية السعودية، التي تستضيف القمة العربية في ١٩ مايو/أيار بإرسال دعوة رسمية لبشار الأسد من أجل الحضور.
قبيل القمة العربية يوم غد الجمعة حيث ستغرق صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بصور مصافحات القادة العرب للأسد، هناك سبعة أسباب تجعل من التطبيع مع نظام الأسد خطوة في غاية السوء:
أولاً: الأسد مجرم حرب، ولا شيء قد تغير.
قتل نظام الأسد مئات الآلاف من السوريين والسوريات وقام بسحق كل من عارضه مستخدماً جميع أدوات القمع الوحشية وغير المشروعة، كالقصف المتعمد لمنازل المدنيين واستخدام الأسلحة الكيماوية والتعذيب والقتل المنهجي للرجال والنساء في أقبية فروعه الأمنية. حتى يومنا هذا، يُقدّر عدد المختفين قسرياً والمعتقلين بشكل تعسفي بما يزيد عن ١٥٠ ألفاً في سوريا، مع العلم أن الخوف من الاعتقال لا يزال يظلّل على حياة الناس هناك.
هذه الجرائم لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، وهي موثّقة على نطاق واسع من قبل الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الحقوقية الإنسانية السورية والدولية المعروفة. أدانت محكمة فيدرالية ألمانية متّهميْن اثنين بجرائم ضد الإنسانية، تم تنسيقها من قبل نظام الأسد. تشرع كندا وهولندا في جهد مشترك لتحميل النظام السوري المسؤولية عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تحت ميثاق الأمم المتحدة الخاص بمناهضة التعذيب. ومن الجدير ذكره أيضاً، أن سوريا لا تزال تحت طائلة العقوبات المشددة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ثانياً: شريحة كبيرة من السوريين لن تقبل بحكم الأسد أبداً ولن تستطيع العودة إلى سوريا تحت حكمه.
في عام ٢٠١١، نزل السوريون والسوريات إلى الشوارع مطالبين بالحرية والكرامة بعد ٤٠ عاماً من الحكم الاستبدادي لبشار الأسد ومن قبله والده حافظ. واجه النظام هذه المظاهرات بالقمع الوحشي الشديد، ما أدّى إلى نزوح ما يزيد عن ١٤ مليون من السكان عن بيوتهم، منهم ٦.٨ مليون ممّن نزحوا داخليّاً. بالنسبة للعديد، فإن العودة إلى سوريا تحمل خطر الاعتقال أو الاختفاء القسري أو الإعدام. كما أن القصف العشوائي واسع النطاق والاستيلاء على منازل المدنيين وسرقتها من قبل النظام، يعني أن العديد من السكان، خصوصاً من غادروا البلاد وهم في سن الطفولة، ليس لديهم أي مكان يعودون إليه.
ثالثاً: تزايد خطر ترحيل اللاجئين.
تدعي العديد من الدول العربية بأن تطبيع العلاقات مع الأسد سيسهل إجبار اللاجئين واللاجئات على العودة إلى سوريا. ولكن القانون الدولي في غاية الوضوح: من غير القانوني ترحيل اللاجئين إلى مكان قد يتعرضون فيه للاضطهاد. يعيش اللاجئون/ات في تركيا ولبنان حالة من الخوف، في ظل التزايد العلني للعداء والعنصرية ضد السوريين/ات، وقد تم إجبار الآلاف من اللاجئين على العودة بشكل عشوائي خلال الشهور الأخيرة. ويُذكر أن هناك أعداداً هائلة من العائدين قد تعرضوا لشتى أنواع الانتهاكات بما فيها: الاغتصاب والتعذيب والاعتقال والاختفاء القسري والتجنيد الإجباري على أيدي النظام.
رابعاً: من غير الممكن تحقيق السلام بدون العدالة والانتقال السياسي.
تسعى الدول العربية إلى تحقيق أجنداتها السياسية الهزلية على حساب الحقوق الإنسانية الأساسية. وبهذا فإنهم يستخفون بدماء ضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام ويعطون الأسد ضوءاً أخضراً للاستمرار في جرائمه متمتعاً بالحصانة من العقاب. كما أشارت كيم غطاس في مقال لها مؤخراً، فإن العنف الذي اندلع في السودان يجب أن يشكل تحذيراً مرعباً من التأثيرات بعيدة المدى الناتجة عن التسويات مع الديكتاتوريين، من دون تحقيق العدالة ومن دون المساءلة.
خامساً: لا مجال للازدهار في سوريا تحت سلطة الأسد.
أثبت الأسد مراراً وتكراراً على أنه غير قادر على تحقيق الاستقرار في سوريا. فإن انعدام كفاءته وسوء إدارته الاقتصادية وتفشي الفساد في سوريا دفع البلاد إلى أزمة اقتصادية خانقة، حيث يعاني السكان اليوم من أجل شراء أبسط احتياجاتهم اليومية كالخبز والوقود. جعل الأسد من سوريا مصنعاً كبيراً للمخدرات، حيث أصبحت عملية تصنيع وتهريب مخدر الكبتاغون مشروعاً اقتصادياً يعادل مليارات الدولارات.
سادساً: تشجيع الطغاة في كل مكان.
إن مصافحة الأسد بدلاً عن محاسبته لا تشكل خيانة لدماء ضحاياه فقط، بل إنها بمثابة إشارة لكل المستبدين حول العالم بأنهم قادرون على انتهاك جميع القواعد الدولية دون استثناء بدون مواجهة أي عواقب حقيقية، ما يشكل سابقة خطيرة في تاريخ الإنسانية جمعاء. إن الإخفاق في محاسبة روسيا على جرائمها في سوريا وأماكن أخرى شجع بوتين على المضي قُدماً في غزو أوكرانيا.
سابعاً: السوريون والسوريات وحدهم من سيحدد مستقبل بلادهم، لا مجموعة من المستبدين.
إن جميع الأسباب التي دفعت السوريين والسوريات إلى النزول إلى الشوارع لا زالت تؤرق حياتهم اليومية. عانى الشعب السوري لمدة ١٢ عاماً معاناة تفوق الخيال، فيما خذلهم المجتمع الدولي بشكل كبير. ولكن وفي مواجهة هذا الإخفاق الدولي، خاطر النشطاء والمجتمع المدني بحياتهم من أجل خلق معنى ومقاومة عندما بدى الأمل أشبه بالمستحيل. وهم لن يسمحوا لمجموعة من القادة المستبدين بتقرير مستقبلهم، وسنستمر في العمل معهم يداً بيد لتحريك ضمير العالم ومن أجل بناء سوريا لكل السوريين والسوريات بدون الأسد وبدون الديكتاتورية وبدون التطرف.