March 27, 2019

”وحدهمُ السكان الأصليون من يحددون هوية أرضهم“


تحدّثنا آرام أبو صالح عن قرار ترامب بالاعتراف بالجولان المحتل على أنها أرضٌ اسرائيلية، وعن هويتها السورية، وتاريخ المقاومة في الجولان.

—–

اسمي آرام أبو صالح، وانا من مجدل شمس، القرية الواقعة على هضبة الجولان السوري المحتل.

ما يثير الجنون في عالمنا الحديث هذا هو أن يتسنى لرجلٍ على الطرف الآخر من الكوكب تقريرَ مصيري ومصير أهلي وأرضي. لا أملك إلا أن أقول شيئاً واحداً لرئيس الولايات المتحدة الأميركية: وحدهمُ السكان الأصليون من يحددون هوية أرضهم. قاومنا الاحتلال لاثنين وخمسين عاماً مضت وسنستمر في مقاومتنا ليبقى الجولان سورياً ما دُمنا على قيد الوجود.

احتلت اسرائيل الجولان عام ١٩٦٧ مرتكبةً العديد من انتهاكات حقوق الإنسان. هناك نشأتُ وكبرتُ فتاةً سورية تحت وطأة الاحتلال. وما لا يعلمه الكثيرون أن إسرائيل كانت المسؤولة عن التهجير القسري لـ ١٣٠ ألف سوري وسورية من ١٦٩ قريةً في الجولان عام ١٩٦٧. فقط ٦ آلاف سوري بقوا في المنطقة ويعيشون اليوم في خمس قرى. قريتي مجدل شمس واحدة منهنّ. واليوم تقبع المستوطنات الاسرائيلية اللا شرعية على أنقاض القرى السورية.

كوْني واحدة من السوريين القلائل ممن بقوا في الجولان يعني أن أحارب يومياً من أجل هويتي. كبرتُ وكبر معي حبي لأرضي الجولان ووطني سوريا. كانت هويتنا السورية مهمة جداً تحت الاحتلال الاسرائيلي لأنها تحدد هوية الجولان. يعيش حوالي ٢٦ ألف سوري وسورية على أرض الجولان في الوقت الحالي، بينما انتشر الآلاف ممن هُجّروا في كل أنحاء الأرض. واليوم هناك الآلاف ممن تعرضوا للتهجير مرتين: مرة بسبب الاحتلال الإسرائيلي والأخرى بسبب انضمامهم إلى الثورة السورية ضد بشار الأسد.

هجّر الجيش الاسرائيلي نصف عائلتي عام ١٩٦٧. حُرمت من معرفة جدي وأعمامي وأخوالي وأبنائهم بسبب الحدود بين الجولان وباقي سوريا والتي أدت إلى عزل قريتي عن محيطها الطبيعي. من أقوى وأقسى ذكريات طفولتي كانت على تلة الصيحات القريبة للحدود مع باقي سوريا، حيث كانت العائلات تجتمع على طرفيها وتصيح لبعضها العض كوسيلة وحيدة للتواصل.

عام ١٩٨١، أعلنت اسرائيل ضم هضبة الجولان المحتلة إلى أراضيها،  ثم سعت إلى فرض الجنسية الإسرائيلية على من تبقى من السوريين والسوريات كوسيلة منها لصبغ الجولان أرضاً إسرائيليةً إلى الأبد. لم يسكت السوريون حينها، وبدأوا إضراباً سلمياً دام ستة أشهر قام جيش الاحتلال خلاله بقمع المتظاهرين السلميين واعتقالهم بعنف (تماماً كما فعل بشار الأسد في ٢٠١١)، وفرض حصاراً على قرانا الصغيرة تسبب بحالات جوع ونقص حاد في الموارد الطبية. واجه سكان الجولان الجيش الإسرائيلي بأيديهم العارية وانتصروا في النهاية. انهزم الاحتلال وتراجع عن فرض الجنسية الاسرائيلية علينا بالقوة.

عندما انطلقت الثورة السورية، شاركتُ في المظاهرات التي خرجت في مجدل شمس. كنا على يقين بأن الجولان لن يتحرر إلا بتحرر سوريا. أردنا التحرر من محتلّين اثنين: اسرائيل والديكتاتور الذي ورث حكم بلادنا. وها نحن اليوم ننتظر انتظاراً مضاعفاً من أجل الحرية.