.
إلى حد ما، قد تكون بتول مجرد سورية عادية، ولكنها شديدة التميز في الوقت ذاته
كانت بتول في بداية تأسيس حياتها المهنية كممثلة تلفزيونية عندما بدأ الحراك السلمي في سوريا. وبكونها متمردة بطبيعتها، كان الانضمام إلى دوائر الباحثين عن الحرية الخيار الوحيد الممكن بالنسبة لشخص مثلها. حيث خرجت في المظاهرات التي تنادي الحرية والمطالبة بالدولة المدنية وشاركت في النشاط المدني حينئذٍ. وعلى الرغم من أنها لم تتعرض للاعتقال من قبل، لكن انخراطها في الثورة لم يكن مجانياً تماماً. فأهلها عارضوا أي نشاط ثوري ضد النظام السوري مما خلق شقاقاً بينهم. وانتهى مستقبلها المهني كممثلة تلفزيونية في بلد تتحكم الدولة فيه بكافة أشكال الإعلام والتلفزة.
بعد سنتين من النشاط المدني والتظاهر تغير كل شيء في سوريا. كانت بتول عاطلة عن العمل، بينما كان أصدقائها إما خارج البلاد أو في السجن، دون أن يكون لديها ما تقوم به على الإطلاق في دمشق. عندها قررت بأنه عليها تجربة أمر مختلف، فقررت الذهاب إلى بيروت.
بالنسبة للكثير من الناشطين المدنيين لم يعد هنالك الكثير من الخيارات، إما العمل مع منظمات قد تتعارض مع مبادئهم لتأمين لقمة عيشهم، أو السفر إلى دولة أوروبية ما. وحتى الخيار الأخير ليس ممكنا دوماً بسبب عدم قدرتهم على الحصول على جوازات سفر من النظام السوري الذي يلاحقهم، أوتجديدها منه كي يتم قبول طلب الفيزا. مما يعني طلب اللجوء والركض من سفارة إلى أخرى علها تقبل إيواءهم على الرغم من عدم اكتمال أوراقهم النظامية للسفر.
لم يتغير الكثير بالنسبة لبتول في بيروت، فقد كانت فيها أيضاً مفلسة وعاطلة عن العمل، ولكنها اكتشفت أمراً كان يستحق كل عناء الوحدة والإفلاس هناك، تمكنت من إيجاد الجديد الذي تبحث عنه: تطبيق أي فون جام الذي يتيح لك الغناء بينما يقوم هوه بتأليف الموسيقى الالكترونية بنفسه. وبينما كان هذا التطبيق بالنسبة لكثيرين وسيلة للتسلية والسخرية،لكن بتول وجدت فيه عالماً من الاحتمالات اللا منتهية. فبدأت بتسجيل الأغاني وتحميلها على الانترنت.
أغنية داعش فنك تشبه إلى حد كبير أغنيات بتول الأخرى، والتي تشكل رد فعل ساخر عن واقع مرير. وعلى الرغم من أنها لم تصدر إلا مجموعة صغيرة من الأغاني، تمكنت أغنياتها كـ “بحب الموت” و”أنا من سوريا” من الانتشار بشكل واسع في أوساط الناشطين السوريين الشباب. وتتميز هذه الأغنية بحس نقدي ذكي وجريء، محكي بكلمات قد تبدو عبثية ولكنها تشكل التعبير الأصدق عن حياة الناشطين السوريين الشباب، وخاصة الفتيات منهم، في ظل داعش اليوم. ففي الوقت الذي تمكنت داعش من قمع الحراك السوري بقبضة أقوى من قبضة النظام بمائة مرة. وتمكنت من فرض سيطرتها على ذات الأماكن التي ضحى الكثيرون بحياتهم كي تتحرر من سلطة النظام السوري القمعي وتحصل على دولة العدالة والحرية. الآن، يقع الناشطون السوريون بين فكي كماشة، في إحداها معتقلات النظام والموت تحت التعذيب، وفي الثانية حكم الهيئات الشرعية والموت رجماً بالحجارة إن لم يتخلين عن أفكارهن الثورية، ويلتزمن بتعاليم الدولة الاسلامية جميعها.
مؤخراً انتقلت بتول إلى تركيا، حيث تتنقل من مدينة لأخرى وتقيم عند أصدقائها إلى حين إيجادها للمكان الملائم للاستقرار. وعلى الرغم من أن موهبتها الجديدة لم تتمكن من ملء جيوبها بالنقود، لكنها على الأقل تمكنت من فسح مجال جديد لها للتعبير عن نفسها أثناء تنقلها من مدينة إلىأخرى حتى تجد مكانا لتستقر فيه.