March 2, 2021

كلمة مازن درويش مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير خلال الندوة رفيعة المستوى التي عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة حول أوضاع حقوق الإنسان في سوريا


السيد Volkan BOZKIR رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة المحترم.
السيدة Ilze Brands Kehris الأمينة العامة المساعدة لحقوق الإنسان المحترمة .
السيدات والسادة ممثلي الدول الأعضاء .

كنت اتمنى ان يكون مكاني اليوم شاب سوري اسمه يحيى الشربجي تعلمت منه معنى الإسلام المعتدل المنفتح على الاخر والذي يقبل التنوع والاختلاف ويرفض العنف.
او ان يكون مكاني اليوم محام سوري اسمه خليل معتوق تعلمت منه أن العدالة قيمة اخلاقية بحد ذاتها تحتم علينا وقبل أيّ شيء الدفاع عن كافة الضحايا بغض النظر عن دينهم او عرقهم أو لونهم او جنسهم .
أو ان يكون مكاني اليوم سياسي سوري اسمه مشعل التمو تعلمت منه أن المواطنة التامة المتساوية بين أبناء الوطن الواحد هي الضمانة الوحيدة لوحدة الأوطان وتماسك مجتمعاتها وقوتها.
وفي نفس السياق الأخلاقي سعى الكثير من السوريات والسوريين لإيجاد بديل أخلاقي – وطني بعيدا عن منظومة الاستبداد والإرهاب ومنهم زملائي المحامية رزان زيتونة والطبيب أيهم غزول.

تم القاء القبض على أيهم مع باقي زملائه للمرة الاولى بتاريخ 16-2-2012
ومن ثم ليلقى حتفه في سجن الفرع 215 نتيجة للتعذيب والامتناع عن تقديم العناية الصحية له
لتظهر صورته لاحقا ضمن مجموعة الصور التي سرّبها المصور العسكري النبيل ” قيصر”.
بعد اعتقال كوادر المركز و وفاة أيهم تحت التعذيب قررت زميلتنا المحامية رزان زيتونة الفرار من ملاحقات أجهزة الأمن باتجاه الغوطة الشرقية لتواصل عملها في توثيق الانتهاكات ودعم الاحتجاجات السلمية إلى أن تم خطفها مع مجموعة من زملائها بناء على قرار اتخذه بضعة قيادات من فصيل يدعى جيش الإسلام بتاريخ 9-12-2013 حيث لايزال مصيرها وزملائها مجهولا حتى يومنا هذا . وبينما تناشد والدة رزان كل من يعلم اي معلومة عن ابنتها وزملائها المختفين تطالب والدة ايهم بقبر لولدها.

السيدات والسادة :
قصص هؤلاء هي باختصار قصة الثورة السورية قصة الملايين الذين كانوا يحلمون بالتغيير ويعملون بالطرق السلمية بشجاعة قل نظيرها من اجل الكرامة والحرية والعدالة لكافة السوريين .واجهت أحلامهم السلطات السورية بالعنف والقمع والتعذيب والقتل للحفاظ على مكاسبها دون أي اعتبار للمصلحة الوطنية حتى دفعت بالبعض منهم لحمل السلاح مكرهين دفاعا عن أنفسهم وعائلاتهم فانحاز لهم مجموعة من الضباط والعناصر في الجيش الذين آثروا الانشقاق على تنفيذ أوامر لا تمت بصلة بواجبهم العسكري الذي اقسموا عليه.

ردة الفعل الطبيعية هذه وجدت فيها مجموعة من الانتهازيين فرصة سانحة للتسلق على أحلام هؤلاء الشباب وحَميتهم باسم الحرية والدين مدفوعين بشهوة السلطة و لتكديس الأموال والمنافع
لتأتي بعدهم تنظيمات متطرفة مثل القاعدة وداعش وجدت في هذه الظروف البيئة النموذجية لتسويق أفكارهم الارهابية وفرض نموذجها الشاذ تحت قوة السلاح والحاجات الاقتصادية .
ومع تعقيدات المصالح الاقليمية والدولية التي تقاطعت مع الجغرافية-السياسية السورية سارعت قوى اقليمية ودولية للاستثمار في هذا الوضع المعقد خدمة لمصالحها ولتصفية حسابات عالقة بينها لنصل إلى الوضع الذي نحن عليه الآن والذي تعرفونه جيدا جميعكم والذي ساهمت فيه دول موجودة في هذه الجمعية.

السيدات والسادة :
عشر سنوات طويلة مرت على السوريين حصيلتها مئات آلاف القتلى من الضحايا وعشرات الآلاف من المعتقلين والمفقودين، دمار كامل لمدن وبلدات، وملايين المدنيين النازحين واللاجئين، وملايين الأطفال الذين حرموا من التعليم وينهشهم البرد والجوع والأمراض، تدمير للبنى التحتية واقتصاد مدمر وعملة وطنية فقدت قيمتها، وبلدٍ مقسّم محتل تستبيحه جيوش خمس دول من الجولان في جنوبه الى شماله الشرقي وشماله الغربي مروراً بعاصمته دمشق، ومجتمع دولي متقاعس ومؤسسات أممية عاجزة، وانهيار تام لمنظومة حقوق الإنسان التي كرستها البشرية خلال عقود
فمن الذي انتصر؟! . . .

كنت اتمنى أن أحمل لكم ولأبناء بلدي خصوصا هؤلاء الذين آمنوا بالحل العسكري أخباراً سعيدة، لكن في الحقيقة الخبر الوحيد الذي احمله لكم هو أنّ الجميع قد هزم .
أنتم، وجميع أطراف هذه الحرب مهزومون، وجميع السوريين ومن كافة الأطراف هم الخاسرون، وقد تحوّلوا جميعهم الى ضحايا بشكل أو بآخر. باستثناء بعض القيادات التي تتحمل مسؤولية جرائم الحرب والجرائم ضدّ الانسانية التي حصلت في سوريا وخصوصا من طرف السلطات السورية
لا تحمل هذه الحرب -كما كل الحروب- أي فضيلة سوى فضيلة انتهائها. وإنّ استمرارها لن يحوّل سوريا فقط الى دولة فاشلة ولن يزيد من معاناة ملايين السوريين أكثر وانمّا سينعكس ذلك على الأمن والسلم العالميين بشكل مباشر أكثر ممّا هو قائم الآن،
فإمّا أن ننجو جميعا معا وإما أن نؤسس لسقوطنا النهائي جميعا معا.
لذلك كمواطن سوري، اسمح لنفسي انا اطالبكم بضرورة:
1- إعلان وقف شامل لإطلاق النار على كافة الأراضي السورية، وإلزام كافة أطراف الصراع بشكل حازم العمل به.
2- الدعوة إلى عقد اجتماع طارئ تحت رعاية الامين العام للامم المتحدة لكافة الدول المعنية بالصراع السوري لإيجاد خارطة طريق عملية حقيقية لتنفيذ القرار رقم 2254 بكافة مضامينه بعد ان أثبتت كافة الآليات السابقة فشلها.
3- الدعوة لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن بهدف إصدار قرار ملزم لكافة أطراف الصراع ينص على :
وقف تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة منذ العام 2011 وحتى اليوم وتجميد الحكم بهذه العقوبة حتى اشعار آخر.
قيام كافة أطراف الصراع بتزويد المفوضية السامية لحقوق الإنسان بقوائم تتضمن أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية والسماح لمراقبي المفوضية واللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة أماكن الاحتجاز وضمان معاملة كافة المحتجزين وفقا لقواعد مانديلا.
تزويد المفوضية السامية لحقوق الإنسان بقوائم أسماء المعتقلين وتواريخ الاعتقال والتهم ذات الصلة ، وكذلك من ماتوا في الحجز او من تم تنفيذ أحكام الاعدام بحقهم.
الإفراج عن جميع المعتقلين تعسفيا وفقًا للأولويات الإنسانية
الأطفال والمرضى والنساء وكبار السن.
تشكيل فريق دولي خاص للكشف على المقابر الجماعية وضمان حفظ عينات ال DNA وتسليم الجثث الى ذويهم وضمان دفنهم وفقا لمعتقداتهم بطريقة كريمة .

السيدات و السادة :
تقدم اليوم مجموعة من ضحايا الاعتداء بالأسلحة الكيماوية الذي وقع في الغوطة الشرقية بتاريخ 21 -8- 2013 بشكوى جنائية الى قضاة التحقيق في فرنسا،
بعد ان سدت في طريقهم طرق العدالة الدولية نتيجة الفيتو الذي استخدمته دولة روسيا الاتحادية. وعلى الرغم من إدراكنا أنّ هذه المبادرات لا تشكّل في مجموعها العدالة المنشودة للسوريين، حيث من الغير الممكن الحديث عن عدالة انتقالية دون انتقال سياسي أو حديث عن مسار للتعامل مع الماضي في ضوء استمرار الانتهاكات والجرائم بشكل يومي.
هذه التحركات هي رسالة عملية للمجتمع الدولي ولكافة أطراف النزاع في سوريا تفيد بأنه :
1- من غير الممكن أن يكون هناك سلام مستدام في سوريا دون مسار جاد للعدالة الانتقالية، وأنّ محاولة الوصول لاتفاق سياسي يضمن مصالح امراء الحرب دون الاكتراث لمطالب الضحايا من كافة الأطراف بالحقيقة والعدالة لن يؤدي في المستقبل إلاّ لحرب جديدة تقوم على الانتقام.
2- من غير الممكن أن يكون هناك عودة طوعية وآمنة لللاجئين السوريين دون ضمانات قانونية تؤمّن عدم إمكانية تكرار الانتهاكات التي دفعتهم الى اللجوء من ضمنها محاسبة كبار المسؤولين عنها من كافة الأطراف وضمان عدم ترشحهم للمناصب العامة وإصلاح شامل لبنية الدولة وصلاحيات اجهزة إنفاذ القانون فيها.

سمحوا لي ان أخاطب ابناء بلدي سوريا من منبركم هذا : مسلمين ومسيحيين ويهود . سنة وعلويين ودروز وايزيدين ومرشديين ومن غيرالمتدينين عربا واكراد وتركمان وآثوريين وشركس ومن كافة المعتقدات والأعراق استطاعت الكثير من شعوب الأرض من جنوب افريقيا الى راوندا ومن اسبانيا الى تشيلي تجاوز آلامها والانطلاق نحو مستقبل آمن ونحن ايضا نستطيع فنحن أبناء حضارة تمتد لآلاف السنين.
نحن سوريون ولا نخجل فنحن الذين اخترعنا الابجديّة والموسيقى والمنجل.