March 2, 2021

كلمة الناشطة السورية وفا مصطفى خلال الندوة رفيعة المستوى التي عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة حول أوضاع حقوق الإنسان في سوريا- ٢ آذار ٢٠٢٠


أشكركم على هذه الفرصة لمخاطبة الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة.

اسمي وفا علي مصطفى، لم أسمع شيئاً عن أبي علي مصطفى منذ ٢٨٠١ يوم، منذ ما يقارب الثمانية أعوام، حيث تعرّض للاختفاء القسريّ من قبل النّظام السّوري.

أبي مدافع عن حقوق الإنسان، تظاهر ضدّ الظلم والقمع في بلدنا. وربّاني لأفعل الشيء نفسه. لم يخبرني أحد، ولم يخبروا أمّي أو أختيّ عن سبب أو مكان اعتقاله. لا نعرف!

تخرّجت في الصيف الماضي من الجامعة في ألمانيا. كانت لحظة صعبة، تمنّيت لو كان أبي معي، فقد اهتمّ دائماً بتعليمي. أحياناً أبكي لساعات، وأشعر أنّ كلّ ما أفعله بلا جدوى. صباح اليوم كنت أتساءل إن كانت مخاطبتي لكم بلا جدوى، كلّ السوريين يتساءلون.

لكنّني متأكّدة أنّ هذا ما يريده والدي. وأعرف أنّه إن أطلق سراحه، سيسألني عمّا كنت أفعل كلّ هذا الوقت لأجله ولأجل ١٣٠٠٠٠ معتقل في سوريا. سيسألنا جميعاً، ماذا كنّا نفعل؟

اعتقلت عندما كان عمري ٢١ عاماً، لأنّني تجرّأت على الحلم بسوريا عادلة وحرّة. عمري الآن ٣٠، وأمضيت السنوات العشر الماضية في المطالبة بالعدالة ضد نظام الأسد ومجموعات أخرى تستمرّ باستخدام الاعتقال التعسفي كسلاح حرب. عندما أفكّر بالنساء اللواتي تركتهن في السجن، أتساءل إن شهدن الحريّة مرّة أخرى. أخاف مما يحصل في تلك السجون، حيث تُغتصب النساء وتعذّبن بشكل ممنهج.

شاهدتم جميعاً صورقيصر لظروف الاعتقال اللإنسانيّة في زنازين الأسد. صور الأجساد المشوّهة بسبب التعذيب والتجويع، وثّقها جميعاً جهاز دولة إرهابيّ مصمّم لإخراس المعارضة. يرعبني أن أتخيّل ما تفعله جائحة كورونا لمناعة المعتقلين في مراكز النظام، وهي أماكن مثالية لانتشار الفيروسات والأمراض.

لهذا أستمرّ بمطالبة جميع الدول التي استقبلت لاجئين سوريّين بإيقاف أيّ ترحيل قسري. أنتم تعرفون أنّ المدنيّين لن يعودوا إلى بيوتهم، بل إلى أقبية التعذيب الأسديّة.

عندما يتكلّم المرء عن أمور كالاعتقال والتعذيب والانتهاكات لعشر سنوات، تصبح الأشياء العاديّة، كالطفولة والحياة قبل الثورة صعبة التذكّر. لهذا أحمل صورة أبي. أخاف أنّنا موجودون فقط إن تذكّرنا الآخرون. لهذا أخذت صورته برفقة صور ١٢٠ معتقل آخر أمام مبنى المحكمة أثناء أوّل محاكمة لنظام التعذيب الأسديّ في كوبلنز في ألمانيا.

كعائلات لمعتقلين، نشعر بإحباط عميق تجاه فشل الأمم المتّحدة الجماعيّ في التعامل مع تلك الانتهاكات في محكمة العدل الدوليّة. الأسد نفسه يجب أن يكون قيد المحاكمة!

أطلقت العائلات والضحايا الشهر الماضي، ميثاقاً للحقيقة والعدالة للمطالبة مجدّداً باتخاذ إجراءات عاجلة من قبل هذه الجمعية . إن هذا الميثاق هو خارطة طريق تركّز على الضحايا، يمكنكم السير عليها لتلبية مطالب ضحايا الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري والتعذيب، وذلك لإطلاق سراح المعتقلين بشكل فوريّ، ولوقف التعامل اللإنساني والعنف الجنسي وذلك على أساس النوع الاجتماعي.

بينما نستمرّ في محاولة محاسبة الجرائم ضدّ الإنسانيّة، فإنّ العدالة لسوريا تبدأ بإطلاق سراح جميع المعتقلين، وإنهاء الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري كأسلحة لإسكات وإرهاب المجتمعات. ليس كتبادل أسرى بين أطراف عسكرية بل كجزء من حلّ شامل لهذه الجرائم.

إنّ محنتنا عاجلة، غضّت الجمعية العامّة النظر عن أطفال يختنقون تحت حطام بيوتهم. لكنّ أهلهم لم يغضّوا النظر. الآن تتجاهلون الشابّات والشباب الذين يخطفون من أهلهم في سوريا اليوم. لن يتجاهل أهلهم هذا! حتّى أنّهم تحمّلوا ألم البحث عن أجوبة بين صور أجساد الناس التي تغطّيها آثار التعذيب.

سوريا الأسد دولة تعذيب، يتسامح معها ويدعمها بعض أعضاء هذا التجمّع. لكنّها ستصبح وطني مجدداً. بالرغم من أنّنا كسوريّين مررنا بظروف مرعبة، لكننا لن نستسلم في معركتنا لأجل حرّيتنا.

من أنا لأقول لايوجد أمل؟ من أنتم لتقولوا هذا؟

شكراً.