لم أتوقع يومياٌ أن يأتي هاذا الوقت, علي الإستسلام لذلك سأرحل إلى مكان ما لا أعلم إن كان موجوداٌ
مرحبا ربيع:
تسأل عن حلب ؟ دعني اخبرك عن المدينة التي نشأنا فيها معا.
لم نشهد يوماً طبيعياً منذ بضع سنوات . القصف لا يتوقف ، ولولمجرد ساعه أو ساعتين.
الحياة تغيرت، وكل الأماكن التي تختزنها ذاكرتك دمرت إنسها
إنه لأمرٌ مؤلم حقاً ! القنابل التي يلقيها النظام لا تميز، تدمّر كل شيء في طريقه، كل شيءٍ تغير دُمِّرَ أوهُجِّر لاشيء تدبّ به الحياة.
ما عدنا نعرف معنى الأمان حتى في أحلامنا، فكلما فتحت عينيك لا تدري إن كانت هذه آخر مرة تقع فيها عيناك على أولادك.
لم يعد الناس الذي كنت تعرفهم موجودين هنا . الناس في البلدات والقرى المحيطة بحلب نزحوا إلى المدينة في السنوات الماضية أملاً عن الأمان . لطالما كانت حلب مدينةً آمنة . و لكن العديد منهم اضطروا للنزوح مرّةً أخرى. يحاول الناس باستمرار إيجاد مكان آمن فينتقلون من مكانٍ لآخر . كنا حين نساعدهم نشعر بالسعادة، لكنن استنزفنا فأصابنا التعب وبات الأمر أصعبَ.
لم تحاصر حلب بأكملها بعد، و لكن التنقل فيها أصبح صعباً، بات الناس يعيشون كل يومٍ بيومه، فالأمل مات في قلوبهم حين ماتت المدينة، و في أحيانٍ أخرى مات أملهم حين خطف الموت أحبتهم.
أبسط الأشياء في الحياة غدت صعبة المنال. فلشراء الطعام والخبز أو الماء لعائلتك عليك أن تنتظر في صف طويل في انتظار يومي يطول ويطول.
تمضي وقتك متلفتاٌ …مصغياً سمعك إلى كل الأصوات … كما لو أنك تنتظر أن تكون الهدف التالي للغارة.
و في الوقت المتبقي تفكر بعائلتك . هل سيبقون أحياء عندما تعود إلى المنزل؟ وهل سيكون هناك منزل في الأصل؟
و في نهاية هذا الانتظار، ربما تحصل على ما جئت من أجله وربما يبتسم الحظ لك وتعود سالماٌ إلى بيتك دون أن تخطف روحك قنبلة تلقيها إحدى الطائرات.
ولا يقتصر الأمر على القتال في الجبهات الأمامية و لا القصف المستمر فهناك أيضا القناصة المختبؤون في كل زاوية في طريق الخروج من المدينة .
نحاول باستمرار التأقلم في حياتنا. المدارس كان عليها أن تنتقل للأقبية و المراكز الطبية تعمل بموارد محدودة . حاولنا بناء مؤسسات ديمقراطية و انتخبنا قادة جدد كل شي، وبتنا نعيش حياة الكفاف.
حاولنا أن نذهب إلى الشمال إلى أحياء مختلفة ولكن القنابل كانت تتساقط هناك أيضاٌ . كنا نرى الطائرات فوقنا أحيانا حاملةً أعلام سورية و أحيانا روسية و أحيانا لم نعلم حتى أي علمٍ تحملُ كنا نشعر أنها كانت تتبعنا في كل مكان.
القرى المحيطة عندان، مارع، وتل رفعت، حريتان ، بيانون و اعزاز أيضا أهل هذه البلدات و القرى التي انطلقت فيها الثورة السلمية. ساندول حلب عندما هاجمت الحكومة السورية المدنيين في المدينة. فاستقبلو الفارين من القنابل و القصف.
ماذا حل بهم؟ تعرضو للقصف اليومي. حتى بات الناس لا يعلمون من تستهدف الطائرات أو فيما اذا كانوا الضحية التالية. يومياٌ تشهد هذه القرى عشرات الغارات، في أخرها وصل العدد إلى 120 غارة في يوم واحد.
والأن حان وقت الرحيل. لم أتوقع يومياٌ أن يأتي هاذا الوقت، علي الإستسلام لذلك سأرحل إلى مكان ما لا أعلم إن كان موجوداٌ، العديد من الأصدقاء سبقوني إلى الحدود التركية في انتظار الدخول، إنها مساحة مفتوحة باردة يزدحم فيها 70 ألف شخص في طقس متجمد.
ولكن قلبي سيبقى دائماٌ معلقاٌ هنا.
حلب تجابه ماكينة حرب ضخمة بأسلحة خفيفة، هي ليست مجرد هدف جغرافي و إنما هي الكرامة….. هي الثورة ضد الظلم و داعا يا حلب يا موطني حيث كانت طفولتي و ذكرياتي أتمنى لقاءك هنا من جديد يوماٌ ما يا صديقي.
رفيق طفولتك –